ليكن حصر السلاح إنجازاً لبنانياً لا أميركياً ولا إسرائيلياً
جورج شاهين
Tuesday, 30-Dec-2025 07:19

عشية رأس السنة وعلى مسافة قصيرة من الاستحقاقات المؤجّلة من عام إلى آخر، فتح مرجع سياسي قلبه على قراءة جديدة تعني الملفات الحساسة على تعددها. فالعام الذي نودعه لم يشهد سوى استحقاقين كبيرين، أحدهما إنهاء خلو سدّة الرئاسة وتشكيل حكومة كاملة الأوصاف، بدأت بمعالجة أخطر القضايا العسكرية والمالية. وعليه، تمنى لو يتمّ «حصر السلاح» على أنّه إنجاز لبناني لا اميركياً ولا إسرائيلياً، إن كانت النية صادقة لقيام الدولة الموعودة. وعليه كيف يبرّر دعوته هذه؟

كانت جلسة «العصف الفكري» خاصة، على أن يبقى مضمونها ملكاً للمدعوين اليها من مواقع مختلفة، اقتصادية وعسكرية وديبلوماسية وسياسية وإعلامية. ولذلك فُتحت القلوب والعقول على حقائق لا يمكن البوح بها علناً او في الصالونات العامة، وربما يمكن التداول فيها تلميحاً مع حفظ المصادر وأصحاب المعلومات والأفكار وتوقيتها والدوافع اليها، فالبلد مخروق ولا تقف الامور عند مجموعة من الأسرار التي تتناول حياة اللبنانيين والمقيمين في البلد بلا استثناء في هذه الظروف الدقيقة.

 

أولى الملفات التي تمّ التطرّق إليها ما حملته مجموعة الإعلانات المسبقة لحلقات رأس السنة على الشاشات، التي اعتادت استضافة اصحاب التوقعات وقراء المستقبل القريب والبعيد، معطوفة على جردة من تلك التي أصابت أهدافها بطريقة مذهلة، بعدما عدّت في اللحظات الاولى من العام المنصرم على أنّها من الخرافات التي لا يمكن الركون اليها او انتظار وقوعها. وهو ما فتح النقاش على مجموعة من السيناريوهات المتوقعة على خلفيات ما أورثه العام الذي يستعد لترك بصماته على الساعات الأخيرة منه، ليسبغها وقائع محتملة في السنة المقبلة بطريقة يسلّف فيها الخلف سلفه ملفات متفجّرة، إن لم يقاربها اللبنانيون بما يبوحون به يومياً من حرصهم على مستقبل مجتمعاتهم وفئاتهم كافة، وحرصهم على السلم الأهلي وضمان الانتقال الطبيعي إلى مرحلة الأمن والاستقرار التي طال انتظارها.

 

وأمام كثافة الملفات التي فُتحت، لا بدّ من الإشارة إلى أهمها، وأولها كانت النقدية والمالية منها. فأجرى المرجع المضيف امام ضيوفه قراءة لم يقاربها أحد بَعد لمشروع قانون «الانتظام المالي» الذي عُرف بـ «الفجوة المالية»، فلمّح إلى أنّ ما تعرّض له المشروع من انتقادات وملاحظات يمكن استيعابها. وأبرزها تلك التي لا تحدّد أرقاماً مالية دقيقة لما يمكن توفيره من مخزون مالي مفقود أو محدود في خزينة الدولة ومصرفها المركزي، لإعادة بعض من حقوق المودعين، بمعزل عن التصنيف الذي انطلق في أولى محطاته من اصحاب الودائع ما دون الـ100 الف دولار. كما لفت إلى وجود ما يشبه الضمانات الدولية التي يمكن أن توفر الحدّ الأدنى من الأموال الكافية لإرضاء الفئة المعدمة منهم، وترك المجال مفتوحاً أمام أي فرصة لتعديل المراحل المتبقية للسداد بتصنيفها المتدرج، حتى ولو طاولت أصغرها أي سنواتها الاربع الأولى إن صدقت التعهدات الداخلية والدولية. ذلك أنّه على ثقة بأنّ هوامش عرقلة مشاريع قيام الدولة باتت ضيّقة جداً، ولم يعد هناك من يستطيع إعادة عقارب الزمن إلى الوراء مهما كانت قوته الحقيقية او الوهمية المزعومة. تاركاً للمدعوين تفسير عباراته المختارة بدقّة وعناية. منتهياً إلى التلميح لربما صدرت توضيحات أكثر دقّة تُنهي بعض الملاحظات قبل البتّ بالمشروع في ساحة النجمة. فالطريق إليها سالكة، لاعتقاد أنّ العقبات والحفر قليلة ويمكن تجاوزها بالمفرق واحدة بعد أخرى.

 

وفي جانب آخر من اللقاء تركّز البحث طويلاً وعميقاً أمام ما سُمّي قرار «حصر السلاح»، فكانت هناك توضيحات دقيقة لم يتوقف عندها كثر. وهو انطلق من قرار جلسة 7 أيلول الماضي، فلفت إلى انّ قرار مجلس الوزراء لا يحتمل تفسيرات عدة قد لا ترضي اطرافاً محدّدة، مهما حاول البعض التقليل من أهميته. وإن نجح البعض بما أراده عكس ذلك، فقد تجاهل عن جهل او قصد عدداً من النقاط الدقيقة لتجاوز المخاوف من أزمات داخلية ومشاريع فتنة لا يريدها سوى العدو، ومعه جزء من المتضررين من القرار. وهنا اضطر إلى الدخول في بعض التفاصيل، فلفت إلى عبارات يتناولها البعض على أنّها ملاحظات أميركية أو إسرائيلية وربما غربية او أوروبية او أممية، ولكنها في الأصل لبنانية فقط ومن اقتراحات قيادة الجيش التي لم يتوسع المسؤولون في تفسيرها حفاظاً على نوع من السرّية التي لا بدّ منها.

 

ولما لم يرض التعميم الضيوف، توسع المضيف في شرح عبارات محدّدة راهن عليها البعض لتعطيل الجدول المقرر، وفي محاولة فاشلة لإعاقة عملية «حصر السلاح» او «تجميد» المراحل اللاحقة منها. وإن توقف البعض عند كلام صدر عن مسؤولين اجانب تحدثوا عن «تحييد» ما تبقّى من اسلحة خارج منطقة جنوب الليطاني، فقد تجاهلوا او انّهم لم ينتبهوا إلى انّها عبارة استُخدمت في تقرير الجيش لمحاكاة مصير الأسلحة أينما وجدت خارج نطاق المرحلة الأولى، فتحدث عن «تجميد» حركتها او «تحييدها»، بمعنى واكبته قيادة الجيش بإلغاء بضعة آلاف من تصاريح «تسهيل المرور» و»حمل الاسلحة» لمنع التصرف بها او نقلها من مكان إلى آخر. وهو ما أثبتته التدابير المشدّدة التي اتُخذت في مناطق حساسة وانتهت إلى كثافة العقوبات التي تعرّض لها ناقلوها يومياً، وقد عدّت بالمئات اسبوعياً وبالآلاف خلال الأشهر الثلاثة المنصرمة.

 

وكشف المضيف، انّه يمكن عملية «حصر السلاح» أن تتمّ على انّها «إنجاز لبناني» لا اميركياً ولا إسرائيلياً ولا أممياً، فالسلاح المتخلّى عنه لا يصل إلى أيدي العدو، كما حصل في الايام الأولى التي تلت تفاهم 27 تشرين الثاني 2024، وهو يدخل إلى مخازن الجيش وثكنه إن كان يمكن الاحتفاظ به، وما لا يمكن استخدامه يُتلف او يُجمع في أمكنة محددة للبتّ في مصيره لاحقاً. ولكنه استدرك ليقول، إنّه لم يكن ينتظر تجاوباً من أحد. فاللعبة ظهرت واضحة من اللحظات الاولى، فلا إسرائيل يعنيها جمع الأسلحة، كما انّها باتت بعيدة من حدودها بعد تنظيف جنوب الليطاني، ولا بدّ من أن تستغل مثل هذا الملف لتذكية الفتنة الداخلية، ولو أرادت طي الملف لأخلت المواقع المحتلة التي لا قيمة لها بأي علم عسكري او أمني.

 

ويستطرد المضيف ويقول، إنّ إسرائيل تتمنى ان يُتهم الجيش اللبناني بالتقصير، وهي تتمنى أن يتلقف مناصرو الاحتفاظ بالسلاح غير الشرعي تصرفاتها لتنال ما تريده من وهن في الجبهة الداخلية اللبنانية، كما حرصها على إبقاء جبهتها الداخلية مستنفرة تجاه «المخاطر الوجودية». بحيث انّها تصرّ على قوة خصومها وأعدائها «المنهكين»، ليس بهدف الإشادة بهم بل من اجل الاحتفاظ بحالة العسكرة في المجتمع الإسرائيلي، التي تبعد رئيس حكومتها عن المحكمة الخاصة بمكافحة الفساد، وتريد ان تحتفظ بجبهات مشتعلة على تنوعها وتعددها.

 

وانتهى المضيف إلى أنّ الفرز العمودي بين اللبنانيين يجب ان ينتهي. فليس كل معاناة اللبنانيين رهن السلاح غير الشرعي، ولا حاجة لتعداد المخاطر غير الموجودة للاحتفاظ بسلاح لم تعد له وظيفة إقليمية ولا داخلية، بمقدار ما تحوّل خطراً على بيئته.

الأكثر قراءة